فوائد إعرابية في أحاديث نبوية 2

أبو رفيدة الحنبلي


2016-12-04

لتحميل البحث أو المقالة إضغط هنا

"كنَّا نغتسِلُ وعلينا الضِّمَادُ، ونحن مع رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم - مُحِلَّاتٌٍ ومُحرِماتٌٍ".

 الوجهُ في (مُحِلَّات ومُحْرِمات) الرَّفعُ أم النَّصبُ؟.

الجوابُ:

كلاهما صحيحٌ كما لا يخفى، الرفع على  الإخبار عن (نحن)، والنصب على الحاليَّة، ولكني أرى النصبَ فيهما على الحالِ أقوى؛ لأن الإخبارَ بالظَّرْف (مع رسولِ الله) هنا تامٌّ، بخلافِ قولي: زيدٌ عنك ساهٍ؛ فإنَّ (عنك) لا يصِحُّ أن يُخبَرَ به عن "زيد"؛ لعدم تمامه، فوجَب رفعُ ما بعده (ساهٍ) على الإخبارِ دون الحاليَّة، ومن مُثُل الإخبارِ بالظرف التامِّ ونصبِ ما بعدَه على الحالِ قولُ الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ﴾ [الطور: 17-18].

   ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ ﴾ [الذاريات: 15- 16].

• وتأمَّلْ هذا الموطِنَ العجيبَ مُقارنةً بما قبله!

﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾ [الزخرف: 74]. 

فقد يقال: كيف جاء الظرفُ: ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ خبرًا، و﴿ آخِذِينَ ﴾ حالًا، وعُكِسَ ذلك في قوله تعالى هنا: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾؛ حيث كانت (خالدونَ) هي الخبر لـ (إنَّ)، والظرف (في عذاب جهنَّم) متعلقًا بـ(خالِدونَ)؟

 

قيل: الخبرُ مقصودُ الجملةِ، والغرضُ من ذكر المُجرِمينَ هنا الإخبارُ عن تخليدِهم؛ لأنَّ المؤمنَ قد يكون في النَّار، ولكنْ يخرُج منها، فأمَّا "إنَّ المتَّقِينَ" فجُعِلَ الظرفُ فيها خبرًا؛ لأنَّهم يأمنونَ الخروجَ منها، فجُعل (آخذينَ) وكذا (فاكهين) فضلةً مَنصوبًا على الحال. 

·       ولعل مما يُستأنَسُ به لنصب (مُحِلَّاتٍ ومُحرِماتٍ) هنا- ورودَ الحديثِ بلفظٍ آخر:

عن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ- رضي الله عنها- قالت: ((كُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجْنَ مَعَهُ، عَلَيْهِنَّ الضِّمَادُ، يَغْتَسِلْنَ فِيهِ وَيَعْرَقْنَ، لَا يَنْهَاهُنَّ عَنْهُ مُحِلَّاتٍ وَلَا مُحْرِمَاتٍ))؛ مسند أحمد، ط الرسالة (41 /510).

والله أعلم.